قال تعالى في سورة البروج: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾
أيْ: لعن أصحاب الأخدود.
وجمعه أخاديد وهي الحفر في الأرض.
وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى ما عندهم من المؤمنين بالله عزّ وجل، فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فأبوا عليهم فحفروا لهم في الأرض أخدوداً، وأججوا فيه ناراً وأعدّوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم ألقوا بهم
وقد اختلف أهل التفسير في أصل هذه القصة مَنْ هُمْ ....... ؟ قال أسباط[11] عن السدي في قوله تعالى: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾ قال: كانت الأخدود ثلاثة: خد بالعراق، وخدٌّ بالشام وخد باليمن. رواه ابن أبى حاتم.
وقد روى الإمام أحمد بسنده عن صهيب[12] أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( كان فيمن قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: أني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إليَّ غلاماً لأعلِّمه السحر، فدفع إليه غلاماً كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر والملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي. وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسني الساحر. فبينما هو ذات يومٍ إذ أتى على دابةٍ فظيعة عظيمة قد حبست الناس، فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر، قال فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك فقال: أيْ: بنيَّ أنت أفضل مني وإنك ستُبتلَى، فإن ابتليت فلا تدلَّ عليَّ. فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس فعمي فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما هاهنا أجمع. فقال: ما أنا أشفي أحداً إنما يشفي الله عزَّ وجل. فإن آمنت به دعوتُ الله فشفاك فآمن فدعا الله فشفاه.
ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال له الملك يا فلان من ردَّ عليك بصرك ؟ فقال ربي فقال أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله، قال: أولك رب غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله. فلم يزل يعذّبه حتى دلَّ على الغلام. فبعث إليه فقال: أيْ: بني: بلغ من سحرك أن تبرىء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟! قال: لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عزَّ وجل. قال: أنا؟ قال: لا قال: أو لك ربّ غيري؟ قال ربي وربك الله، فأخذه أيضاً بالعذاب فلم يزل به حتى دلّ على الراهب، فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى، فبعث به نفر إلى جبل كذا وكذا وقال إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فدهدهوه، فذهبوا به فلما عَلوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت ....... فرجفَ بهم الجبل فدُهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك. فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى. فبعث به مع نفرٍ في قرقور، فقال: إذا لجتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلاَّ فغرّقوه في البحر فلججوا به البحر فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون.
وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ قال كفانيهم الله تعالى ثم قال للملك: أنت لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلاَّ فإنك لا تستطيع قتلي، قال وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي ثم قل باسم الله ربِّ الغلام، فإنّك إذا فعلت ذلك تقتلني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال: باسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه. فوضع الغلام يدَه على موضع السهم ومات. فقال الناس آمنّا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم. فأمر بأفواه السكك فخدّت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلاَّ فأقحموه فيها، فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي اصبري يا أماه فإنك على الحق )...... [ صحيح ].
وهكذا رواه مسلم في آخر الصحيح عن هدبة بن خالد[13] عن حماد بن سلمة[14] به نحوه. ورواه النسائي بسنده مختصراً، وقد جودَّه الإمام أبو عيسى الترمذي.
ويقال أن الملك هو ذو نواس، والبلاد هي نجران دخل أهلها النصرانية، وذو نواس كان قد تهوَّد مع من تهوَّد من أهل اليمن. ولأنهم دخلوا النصرانية حرقهم في الأخدود فقتل منهم في غداة واحدة عشرين ألفاً، ولم ينجُ منهم سوى رجلٍ واحدٍ يقال له دوس ذو ثغلبان، ذهب فارساُ وطردوا وراءه، فلم يقدروا عليه، فذهب إلى قيصر ملك الروم، فكتب إلى النجاشي[15] ملك الحبشة وأرسل معه جيشاً من نصارى الحبشة فاستنقذوا اليمن من اليهود. واستمر ملكهم فيهم سبعين سنة ثم استنقذه سيف بن ذي يزن من النصارى لما استجار بكسرى ملك الفرس ورجع الملك إلى حمير[16]
أيْ: لعن أصحاب الأخدود.
وجمعه أخاديد وهي الحفر في الأرض.
وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى ما عندهم من المؤمنين بالله عزّ وجل، فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فأبوا عليهم فحفروا لهم في الأرض أخدوداً، وأججوا فيه ناراً وأعدّوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم ألقوا بهم
وقد اختلف أهل التفسير في أصل هذه القصة مَنْ هُمْ ....... ؟ قال أسباط[11] عن السدي في قوله تعالى: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾ قال: كانت الأخدود ثلاثة: خد بالعراق، وخدٌّ بالشام وخد باليمن. رواه ابن أبى حاتم.
وقد روى الإمام أحمد بسنده عن صهيب[12] أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( كان فيمن قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: أني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إليَّ غلاماً لأعلِّمه السحر، فدفع إليه غلاماً كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر والملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي. وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسني الساحر. فبينما هو ذات يومٍ إذ أتى على دابةٍ فظيعة عظيمة قد حبست الناس، فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر، قال فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك فقال: أيْ: بنيَّ أنت أفضل مني وإنك ستُبتلَى، فإن ابتليت فلا تدلَّ عليَّ. فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس فعمي فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما هاهنا أجمع. فقال: ما أنا أشفي أحداً إنما يشفي الله عزَّ وجل. فإن آمنت به دعوتُ الله فشفاك فآمن فدعا الله فشفاه.
ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال له الملك يا فلان من ردَّ عليك بصرك ؟ فقال ربي فقال أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله، قال: أولك رب غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله. فلم يزل يعذّبه حتى دلَّ على الغلام. فبعث إليه فقال: أيْ: بني: بلغ من سحرك أن تبرىء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟! قال: لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عزَّ وجل. قال: أنا؟ قال: لا قال: أو لك ربّ غيري؟ قال ربي وربك الله، فأخذه أيضاً بالعذاب فلم يزل به حتى دلّ على الراهب، فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى، فبعث به نفر إلى جبل كذا وكذا وقال إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فدهدهوه، فذهبوا به فلما عَلوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت ....... فرجفَ بهم الجبل فدُهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك. فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى. فبعث به مع نفرٍ في قرقور، فقال: إذا لجتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلاَّ فغرّقوه في البحر فلججوا به البحر فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون.
وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ قال كفانيهم الله تعالى ثم قال للملك: أنت لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلاَّ فإنك لا تستطيع قتلي، قال وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي ثم قل باسم الله ربِّ الغلام، فإنّك إذا فعلت ذلك تقتلني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال: باسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه. فوضع الغلام يدَه على موضع السهم ومات. فقال الناس آمنّا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم. فأمر بأفواه السكك فخدّت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلاَّ فأقحموه فيها، فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي اصبري يا أماه فإنك على الحق )...... [ صحيح ].
وهكذا رواه مسلم في آخر الصحيح عن هدبة بن خالد[13] عن حماد بن سلمة[14] به نحوه. ورواه النسائي بسنده مختصراً، وقد جودَّه الإمام أبو عيسى الترمذي.
ويقال أن الملك هو ذو نواس، والبلاد هي نجران دخل أهلها النصرانية، وذو نواس كان قد تهوَّد مع من تهوَّد من أهل اليمن. ولأنهم دخلوا النصرانية حرقهم في الأخدود فقتل منهم في غداة واحدة عشرين ألفاً، ولم ينجُ منهم سوى رجلٍ واحدٍ يقال له دوس ذو ثغلبان، ذهب فارساُ وطردوا وراءه، فلم يقدروا عليه، فذهب إلى قيصر ملك الروم، فكتب إلى النجاشي[15] ملك الحبشة وأرسل معه جيشاً من نصارى الحبشة فاستنقذوا اليمن من اليهود. واستمر ملكهم فيهم سبعين سنة ثم استنقذه سيف بن ذي يزن من النصارى لما استجار بكسرى ملك الفرس ورجع الملك إلى حمير[16]
ـ